نوارة
الجنس : علم الدولة : مصريه عدد المساهمات : 13 نقاط : 9237 السٌّمعَة : 0 تاريخ الميلاد : 20/07/1987 تاريخ التسجيل : 17/04/2012 العمر : 37 العمل/الترفيه : شئون قانونية المزاج : الحمدلله
| موضوع: مقال فى الإنترنت وتقنية المعلومات تشكلان تحديا لفقهاء وقضاة القانون الجنائي في العالم الخميس 19 أبريل - 23:34 | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الدول العربية مدعوة لإيجاد تشريعات خاصة تحمي المعلومات الشخصية وتحد من جرائم الاختراق عمان: محمد إبراهيم العمار برزت في الآونة الأخيرة، سواء على النطاق الأكاديمي أو على النطاق التشريعي، قوانين بالاضافة إلى كتب تعالج الإنترنت أو تقنية المعلومات من الناحية القانونية، فهل بالفعل تستحق الإنترنت في هذا العصر هذا الاهتمام على المستوى القانوني التشريعي أو الأكاديمي المنفصل لدراستها وتنظيمها؟
الإنترنت في حقيقة أمرها هي التطبيق العملي الأمثل للتطور الهائل في تقنية المعلومات والكومبيوتر من جهة، والاتصالات والبث اللاسلكي من جهة أخرى. فالتطور في صناعة الرقائق والعناصر الأخرى في الكومبيوتر، والقدرة على تحويل الصوت والصورة بعدة وسائل إلى رموز عشرية Digitalization يفهمها الكومبيوتر، مكن من معالجة المعلومات بمختلف أشكالها بسرعة فائقة وطرق متعددة. أما الاتصالات وتقنية الشبكات فقد لعبت الدور الأكبر من خلال نقل هذه المعلومات إلى أي مكان في العالم بسرعة وفعالية متميزة بفضل تقنية الأقمار الصناعية والشبكات المتقدمة، مثل تقنية الألياف البصرية، او الشبكات التقليدية كالهاتف، ولذلك أصبحت الإنترنت تقنية فريدة من نوعها، فبعد ان كانت مقتصرة في بداية عهدها على الأغراض الأكاديمية والاستخباراتية بشكل جاف من خلال معلومات مجردة من الصوت والصورة، أصبحت اليوم وسيلة اجتماعية وتجارية وتعليمية فعالة مدعَمة بالصوت والصورة تتفوق في جودتها على التلفاز أو الراديو.
ومما لا شك فيه ان قدرة الشخص العادي في الحصول على اكبر قدر من المعلومات عن أي شيء تقريبا من خلال جهاز صغير نسبيا، وقدرته على نشر آرائه في العالم كله من دون مساعدة الإذاعة والصحف، والتحدث مع أي شخص في العالم من مختلف المجتمعات، وقدرته على شراء أي شيء تقريبا قد لا يجده في بلده، وزيارة موقع أي شركة أو منظمة والتعرف عليها، أو البحث عن عمل، ومتابعة الأخبار العالمية المختلفة وغير ذلك من وسائل الترفيه الموجودة على الإنترنت من دون مغادرة مقعده، هي من دون شك قدرة وخطوة هائلة للبشرية، هذا بغض النظر عن استفادة الشركات التجارية من هذه التقنيات في مختلف مجالات نشاطها. فالإنترنت أصبحت بوابة إلى العالم بعد أن كانت مجرد نافذة له. وتقنية الإنترنت هي بالفعل في طريقها إلى جمع المذياع والتلفاز والكومبيوتر في جهاز واحد Convergence بعد أن اصبح من الممكن بث القنوات الإذاعية وقنوات التلفاز من خلال الإنترنت.
وفي الحقيقة، فإن تقنية الإنترنت لا تقل أهمية عن الاختراعات القديمة، بل إن الإنترنت تعتمد على العلوم والاكتشافات القديمة الأخرى، مثل علم الفيزياء واختراع الكهرباء. فهل كان لهذه الاكتشافات والاختراعات اثر في علم القانون مثل آثار الإنترنت على النظريات والمبادئ القانونية التقليدية؟ ان الجواب الدقيق لمثل هذا الطرح يحتاج إلى بحث طويل بالتأكيد عن اثر تقنية المعلومات على النظريات القانونية، ومقارنتها بآثار التقنيات والاكتشافات الأخرى القديمة او الحديثة. ولكن من الملاحظ تاريخيا ان القوانين، سواء في إطارها التشريعي او الاكاديمي، خضعت بشكل عام إلى التقسيم التقليدي من حيث مصدر الالتزام. فنظرية «العقود» تحكم الالتزامات العقدية بغض النظر عن موضوع التعاقد، ونظرية «الفعل الضار» (او المسؤولية التقصيرية) تحكم تعويض المتضرر من المعتدي بغض النظر عن سبب الضرر او موضوعه. وبتطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية طور الفقهاء والمشرعون قوانين خاصة تحكم نشاطات معينة او فئات معينة في المجتمع، مثل قوانين التجارة وقوانين العمال. ولذلك فإن القوانين لم تقسم من حيث التقنية التي تنظمها، فلا نجد مثلا قانوناً للكهرباء. واما القوانين التي ترتبط تسميتها ببعض التقنيات، مثل قانون الاتصالات او قانون الفضاء، فهي في الواقع لا تنظم التقنية نفسها، بل تنظم الصناعة التي تشرف او تقدم الخدمات المتعلقة بنشاطها، مثل تنظيم ترخيص شركات الاتصالات والمعايير الواجب اتباعها. وعلى الرغم من ذلك، توجد بعض القواعد التي تنظم مسائل تقنية بحتة، ولكن لا ترقى هذه القواعد لان تصبح فرعاً قانونياً مستقلاً او ان تشكل عقبة للقضاة او المشرعين. وينتقد أحد القانونيين الأميركيين هذا التوجه في تصنيف القوانين بحسب التقنية، حتى انه يرى ان من الخطر وجود هذه القوانين، وبخاصة إذا كانت هذه القوانين تتنبأ بالمستقبل من خلال قواعدها، ويرى ان الإنترنت بالنسبة إلى الفقه القانوني هي مجرد «ارض جديدة لحرب قديمة». وبذلك فهو يرى أن القواعد القانونية التقليدية هي قادرة بالفعل على التكيف مع المسائل المعقدة التي تثيرها الإنترنت. وإن كان هذا الرأي قابل للتأكيد او النقد، فإن تعديل القوانين لكي تتناسب مع التطورات الحديثة في مختلف المجالات هو بالتأكيد ضرورة. فالجهود الأكاديمية والقضائية في الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في تكييف القواعد القانونية التقليدية على النزاعات التي تتعلق بالإنترنت، تؤكد هذه الضرورة. بالإضافة الى ذلك، فالقانون يجب ان ينظم نشاط الشركات التي تزود خدمات الإنترنت والاتصالات، فهذه الشركات سوف تلعب دورا كبيرا في المستقبل يماثل أهمية دور البنوك التي تخضع للرقابة الحكومية والقوانين المشددة.
وقد شكلت الإنترنت تحديا لفقهاء وقضاة القانون الجنائي، فالقانون الجنائي يتميز عن القوانين المدنية والتجارية بأنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون»، وهذا يعني ان القاضي الجنائي لا يستطيع ان يفسر ويقيس او ينحرف عن القاعدة الجنائية التي تجرم فعلاً معيناً ومحدداً في المجتمع، ولذلك كان من الصعب على القضاة تجريم الأشخاص الذين يخترقون الشبكاتالخاصة للجهات التجارية او الحكومية Intruders or Hackers، إذا لم تصاحب هذا الاختراق سرقة أو تخريب. فإذا صاحبت هذا الفعل سرقة، فمن الممكن توجيه تهمة السرقة للمخترق (بالرغم من ان بعض القوانين الجنائية تستلزم وجود نقل مادي فعلي للمال المسروق من مكانه حتى تتحقق الجريمة)، وإذا صاحب الاختراق تخريب للممتلكات، فجريمة تخريب الممتلكات قادرة على ملاحقة المخترق، ولكن إذا لم تصاحب الاختراق أفعال مجرمة، فإن المخترق قد يفلت من العقاب في ظل بعض القوانين الجنائية التقليدية. ولذلك كان لا بد من تعديل القوانين الجنائية لكي تجرم مثل هذا الفعل. وقد أقرت في الآونة الأخيرة معاهدة Cybercrime Convention وقعت عليها الدول الأوروبية وعدد من الدول الأخرى، مثل اليابان والولايات المتحدة الأميركية، بهدف تعديل القوانين الوطنية التي تجرم الاختراق لأنظمة الشبكات وغيرها من الأفعال المتعلقة بالانترنت، مثل تداول ونشر الصور الجنسية للأطفال، حيث ساعدت الإنترنت الأشخاص المنحرفين في نشر مثل هذه الصور. وبما ان الإنترنت ظاهرة عالمية، فإن اثر هذه الجرائم عالمي هو أيضا، وبالتالي فلا بد من تعاون وتنظيم دولي لتجريم هذه الأفعال، وتوضيح القوانين الإجرائية لتسهيل ملاحقة المخالفين على المستوى الدولي. ومن الآثار الأخرى للإنترنت على الحياة الاجتماعية مسألة خصوصية الأفراد، فمن الظواهر الجديدة لهذا العصر على النطاق التجاري، اهتمام الشركات التجارية في جمع المعلومات الشخصية عن الأفراد لأغراض تجارية، ولجأت بعض الشركات إلى بيع معلومات الأفراد إلى شركات أخرى ترغب في تسويق منتجاتها وخدماتها من خلال هذه المعلومات. ولذلك برزت التشريعات التي تحمي المعلومات التي تخص الافراد، وخاصة المعلومات الحساسة التي تتعلق بالحالة الصحية والدينية او المالية للأفراد، وتفرض هذه التشريعات على الشركات قيوداً معينة في جمع واستعمال المعلومات، وتفرض عليها تبليغ الأفراد عن الكيفية التي تتم بها معالجة هذه المعلومات، بالإضافة إلى ذلك، تمنع بعض الدول الشركات من القيام بإرسال الرسائل الإلكترونية التجارية عشوائيا لأغراض تسويقية Unsolicited e - Mails الا إذا رغب الأفراد باستقبال مثل هذه الرسائل. وفي الحقيقة، فإن التقنية الحديثة تشكل خطرا على حرية الأفراد، فمن خلال أجهزة الهاتف الجوالة الحديثة، يمكن تصوير أي شخص في أي مكان عام أو خاص ونشر الصور على الإنترنت، وبالرغم من ان هذا الفعل كان ممكنا أيضا في ظل التقنيات التقليدية، سهلت الإنترنت القيام بذلك. والإنترنت هي وسيلة قوية جدا لنشر المعلومات على مستوى عالمي، لذلك فقد شكلت في بعض الدول تحديا للقواعد القانونية المتعلقة بالتشهير Defamation لكثرة القضايا التي تتعلق بهذا الموضوع، وبرزت الصعوبة في تحديد مسؤولية مزودي الخدمة ISPs على الأفراد المشتركين الذين ينشرون آراءهم من خلال المواقع الخاصة بمزودي الخدمة، مثل مواقع الساحات المختلفة على الإنترنت، بالإضافة إلى ذلك، فإن موضوع التشهير على الإنترنت او غيره اثار النظريات الراكدة في القانون الدولي الخاص التي تحدد القوانين الواجبة التطبيق والمحاكم المختصة في النزاعات الدولية بين الأفراد. وقد كان للتقنية الحديثة أثر كبير في مجال الحقوق الفكرية، فهذه الحقوق هي القواعد التي تحمي أفكار الأفراد وإبداعاتهم الفنية والأدبية والعلمية، وتعطيهم حماية قانونية كالتي تمنح لهم على الأملاك العينية مثل الأراضي والسيارات. ولسهولة نقل ومعالجة المعلومات التي تمثل الأفكار من خلال الوسائل الحديثة، شكلت هذه التقنية أداة فعالة لخرق حقوق الأفراد في ممتلكاتهم الفكرية سواء التجارية منها او الأدبية، بالإضافة إلى ذلك، فإن سوق البرامج الإلكترونية اصبح له حصة هائلة جدا في الأسواق العالمية، أضف إلى ذلك المعارك القانونية الحالية بين الشركات التجارية لاقتناء الأسماء التجارية المرتبطة بأسمائهم وعلاماتهم التجارية على الإنترنت DomainNames. وما زال النقاش والاختلاف قائما بين الدول والفقهاء على تحديد متى يستحق البرنامج الإلكتروني حماية قانون حق المؤلف، ومتى يستحق حماية قانون براءة الاختراع. كل هذه أمثلة على الدور المهم للإنترنت وتقنية المعلومات بالنسبة لهذه القوانين، التي منها مشاكل قانونية بحتة، واخرى مشاكل إجرائية، وكل ذلك يحتاج الى التنظيم القانوني الدقيق.
أما على النطاق التشريعي فقد سارعت معظم الدول المتقدمة والدول النامية الى وضع تشريعات خاصة للتأكيد والاعتراف بالعقود التي تتم عبر الوسائل الإلكترونية، وإعطاء الصبغة القانونية للسجلات الإلكترونية في الإثبات، إذ أعطى الاتحاد الأوروبي قدرا كبيرا من الأهمية لتنمية الإطار التشريعي في الدول الأعضاء في مجال الحقوق الفكرية، وقوانين حماية المعلومات، وقوانين الاتصالات والقوانين المتعلقة بالتجارة الإلكترونية. وعلى نطاق الدول العربية، فإن الجهات التشريعية في طور تشريع قوانين تعالج النواحي القانونية المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، فقد أصدرت الإمارات العربية المتحدة قانوناً متعلقاً بالمعاملات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني، أما مصر والمملكة العربية السعودية فهي في المراحل النهائية لإصدار قوانين وأنظمة مشابهة. وبالرغم من ان التجارة الإلكترونية العربية ما زالت في المراحل البدائية، فإن القوانين بلا شك تمثل عنصراً من عناصر البنية التحتية للتطور التجاري والاجتماعي في الدولة.
المصدر :جريدة الشرق الاوسط
| |
|